فصل: من فوائد ابن العربي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد ابن العربي في الآية:

قال رحمه الله:
قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جَنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}.
قَالَ قَوْمٌ: هَذِهِ الْآيَةُ وَاَلَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ سَوَاءٌ، وَهَذَا عِنْدِي بَعِيدٍ؛ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَخَلَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلَاةَ} أَيْ فَرَغْتُمْ مِنْهَا فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَإِنْ كُنْتُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ، كَمَا قَالَ: {فَإِذَا فَرَغْت فَانْصَبْ}.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلَاةَ إذَا كُنْتُمْ فِيهَا قَاضِينَ لَهَا، فَأْتُوهَا قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جَنُوبِكُمْ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَمُصَافَّتِكُمْ لِلْعَدُوِّ وَكَرِّكُمْ وَفَرِّكُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ، وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}: يَعْنِي بِحُدُودِهَا وَأُهْبَتِهَا وَكَمَالِ هَيْئَتِهَا فِي السَّفَرِ وَكَمَالِ عَدَدِهَا فِي الْحَضَرِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ، مِنْهُمْ إبْرَاهِيمُ وَمُجَاهِدٌ: يُصَلِّي رَاحِلًا وَرَاكِبًا، كَمَا جَاءَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَمَا قَدَرَ يُومِئُ إيمَاءً كَمَا جَاءَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَيَكُونُ فِي كُلِّ حَالَةٍ حُكْمٌ لَهُ آيَةٌ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَيْهِ وَحُكْمٌ يَنْفَرِدُ بِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}: قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ مَفْرُوضًا، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِنْ الْوَقْتِ، وَمَا أَظُنُّهُ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ الزَّمَانِ؛ فَإِنَّ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ»؛ فَدَلَّ أَنَّ مَعْنَاهُ مَفْرُوضًا حَقِيقَةً.
وَمَنْ قَالَ: إنَّهَا مَنُوطَةٌ بِوَقْتٍ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَقَدْ عَوَّلَتْ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ مُرْتَبِطَةٌ بِوَقْتٍ إذَا زَالَ لَمْ تُفْعَلْ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْوَقْتَ مَحَلٌّ لِلْفِعْلِ لَا شَرْطَ فِيهِ، وَإِنَّ الصَّلَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا بِفِعْلِهَا مَضَى الْوَقْتُ أَوْ بَقِيَ.
وَلَا نَقُولُ إنَّ الْقُضَاةَ بِأَمْرِ ثَانٍ بِحَالٍ.
وَقَدْ رَبَطْنَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُمْ: إنَّ مَوْقُوتًا مَحْدُودًا بِأَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ وَسُنَنٍ وَفَرَائِضَ؛ وَكُلُّ ذَلِكَ سَائِغٌ لُغَةً مُحْتَمَلٌ مَعْنًى.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا كَوَقْتِ الْحَجِّ.
قُلْنَا: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَقْتٌ لِلذِّكْرِ»، وَكَمَا دَامَ ذِكْرُهَا وَجَبَ فِعْلُهَا وَأَدَاؤُهَا. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصّلاَةَ إِنّ الصّلاَةَ كَانَتْ عَلَى المؤْمِنِينَ كِتَابًا مّوْقُوتًا} [103]
{فَإِذَا قَضَيْتُمُ} أي: أتممتم: {الصّلاَةَ} أي: صلاة الخوف، على ما فصّل.
{فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} أي: فداوموا على ذكره تعالى في جميع الأحوال، فإن ما أنتم عليه من الخوف واحذر مع العدو جدير بالمواظبة على ذكر الله والتضرع إليه، قاله الرازيّ.
وقال ابن كثير: أمر تعالى بكثرة الذكر عقيب صلاة الخوف، وإن كان مشروعًا مرغبًا فيه أيضًا بغد غيرها، ولكن هنا آكد لما وقع فيها من التخفيف في أركانها، ومن الرخصة في الذهاب فيها والإياب، وغير ذلك مما ليس يوجد غيرها كما قال تعالى (في الأشهر الأحرم): {فَلاَ تَظْلمواْ فِيهِنّ أَنفُسَكُمْ} [التوبة: 36]، وإن كان هذا منهيًا عنه في غيرها، ولكن فيها آكد لشدة حرمتها وعظمها.
{فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ} أي: سكنت قلوبكم بالأمن: {فَأَقِيمُواْ الصّلاَةَ} أي: على الحالة التي كنتم تعرفونها، فلا تغيرا شيئًا من هئياتها: {إِنّ الصّلاَةَ كَانَتْ عَلَى المؤْمِنِينَ كِتَابًا مّوْقُوتًا} أي: فرضًا موقتًا، لا يجوز إخراجها عن أوقاتها وإن لزمها نقائص في رعايتها.
فصل في أحكام تتعلق بهذه الآية:
الأول: في هذه الآية مشروعية صلاة الخوف وصفتها، وأنه لا يجب قضاؤها، وأنه يطلب فيها حمل السلاح إلا لعذر.
الثاني: تَعَلَّقَ بظاهر قوله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ} من لم ير صلاة الخوف بعد صَلّى اللهُ عليّه وسلّم زاعمًا أنها خاصة بعهده صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، لاشتراطه كونه فيهم، ولا يخفى أن الأئمة بعده نوّابه قوّام بما كان يقوم به، فيتناولهم حكم الخطاب الوارد له صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، كما في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]، وقد قال صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي».
وعموم منطوق هذا الحديث مقدم على ذلك المفهوم، وقد روى أبو داود والنسائي والحاكم وابن أبي شيبة وغيرهم، عن سعيد بن العاص أنه قال (في غزوة ومعه حذيفة): أيكم شهد مع رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فأمرهم حذيفة فلبسوا السلاح ثم قال: إن هاجمكم هيج فقد حل لكم القتال، فصلى بإحدى الطائفتين ركعة، والأخرى مواجهة العدو ثم انصرف هؤلاء، فقاموا مقام أولئك، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة أخرى، ثم سلم عليهم، وكانت الغزوة بطبرستان، قال بعضهم: وكان ذلك بحضرة الصحابة رضي الله عنهم، فلم ينكره أحد، فحل محلّ الإجماع.
وروى أبو داود أن عبد الرحمن بن سمرة صلى، بكابل، صلاة الخوف.
الثالث: روى الإمام أحمد وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وأبو داود والنسائي وغيرهم (في نزول الآية عن ابن عباس- رَضِي اللّهُ عَنْهُ-) قال: كنا مع رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم بعسفان، فاستقبلنا المشركون، عليهم خالد بن الوليد، وهم بيننا وبين القبلة، فصلى بنا النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم الظهر، فقالوا: قد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم، ثم قالوا: تأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم، فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر والعصر: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصّلاَةَ} فحضرت الصلاة، فأمرهم رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم بأخذ السلاح، فصفنا خلفه صفين، ثم ركع فركعنا جميعًا، ثم رفع فرفعنا جميعًا، ثم سجد النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم، فلما سجدوا وقاموا، جلس الآخرون، ثم سلم عليهم.
وروى عبد الرزاق عن الثوري عن هشام، مثل هذا، عن النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، إلا أنه قال: نكص الصف المقدم القهقرى حين يرفعون رؤوسهم من السجود، ويتقدم الصف المؤخر فيسجدون في مصاف الأولين.
وروى عبد الرزاق وابن المنذر وابن جريج عن ابن أبي نَجِيْح قال: قال مجاهد (في قوله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الّذِينَ كَفَرُواْ}): نزلت يوم كان النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم بعسفان والمشركون بضجنان فتواقفوا، فصلى النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم بأصحابه صلاة الظهر أربعًا، ركوعهم وسجودهم وقيامهم معًا جميعهم، فهمّ بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم ويقاتلوهم، فأنزل الله عليهم: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ} فصلى النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم العصر وصف أصحابه صفين وكبر بهم جميعًا فسجد الأولون بسجوده والآخرون قيام لم يسجدوا، حتى قام النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم والصف الأول، ثم كبر بهم وركعوا جميعًا، فقدموا الصف الآخر واستأخروا، فتعاقبوا السجود كما فعلوه أول مرة، وقصر النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم صلاة العصر ركعتين، وفي هذه الأحاديث أن صلاة الطائفتين مع الإمام جميعًا، واشتراكهم في الحراسة، ومتابعته في جميع أركان الصلاة إلا السجود، فتسجد معه طائفة وتنتظر الأخرى حتى تفرغ الطائفة الأولى، ثم تسجد وإذا فرغوا من الركعة الأولى تقدمت الطائفة المتأخرة مكان الطائفة المتقدمة، وتأخرت المتقدمة، (فإن قلت): لا نطبق ما في الآية على هذه الروايات التي حكت سبب نزولها، وذلك لأن قيل في الآية: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مّنْهُم مّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لم يُصَلّواْ} الآية، وفي هذه الروايات أنهم قاموا جميعًا معه صَلّى اللهُ عليّه وسلّم في الصلاة، وإنما ينطبق ما فيهم على ما رواه الشيخان عن اِبْن عُمَر رضي الله عنهما قَالَ: صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاة الْخَوْف بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَة، وَالطَّائِفَة الْأُخْرَى مُوَاجِهَة الْعَدُوّ، ثُمَّ اِنْصَرَفُوا وَقَامُوا مَقَام أَصْحَابهمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوّ، وَجَاءَ أُولَئِكَ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَة ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَة وَهَؤُلَاءِ رَكْعَة.
وما روياه عن صالح بن خَوّات عمن صلى مع النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم يوم ذات الرقاع؛ أن الطائفة صف معه وطائفة وجاه العدو، فقضى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائمًا، فأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، فأتموا لأنفسهم فسلم بهم.
(قلت): بمراجعة ما أسلفناه في المقدمة من قاعدة سبب النزول يندفع الإشكال، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نزل رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم بين ضجنان وعسفان فقال المشركون: لِهَؤُلاَء صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأمهاتهم، وهي العصر، فأجمعوا أمركم فميلوا عليهم ميلة واحدة، وإن جبريل عليه السلام أتى النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم فأمره أن يقسم أصحابه، شطرين، فيصلي بهم وتقوم طائفة أخرى وراءهم، وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم، فتكون لهم ركعة وللنبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم ركعتان، أخرجه أصحاب السنن.
ثم رأيت القرطبيّ بحث في «تفسيره» نحو ما سبق لي حيث قال: وما ذكرناه من سبب النزول في قصة خالد بن الوليد، لا يلائم تفريق القوم إلى طائفتين، ثم قال (بعد رواية حديث أبي هريرة المذكور) قلت: ولا تعارض بين هذه الروايات، فلعله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم صلى بهم صلاة أخرى مفترقين. انتهى.
الرابع: ظاهر الآية الكريمة الترخيص لكل طائفة بركعة واحدة، لأنه لم يبين فيها حال الركعة الباقية، وقد روى النسائي عن ابن عباس أن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم صلى بذي قَرَد فصف الناس خلفه صفين: صفًا خلفه وصفًا موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا ركعة.
وكذا روى أبو داود والنسائي أيضًا عن حذيفة أنه صلى بطبرستان بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا.
وروى أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض الله الصلاة على نبيكم صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، في الحضر، أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة، فهذه الأحاديث تدل على أن من صفة صلاة الخوف، الاقتصار على ركعة لكل طائفة.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وبالاقتصار على ركعة واحدة في الخوف، يقول الثوري وإسحاق ومن تبعهما، وقال به أبو هريرة وأبو موسى الأشعري وغير واحد من التابعين، ومنهم من قيّد بشدة الخوف.
وقال الجمهور: قصر الخوف قصر هيئة لا قصر عدد، وتأولوا هذه الأحاديث بأن المراد بها ركعة من الإمام وليس فيها نفي الثانية، ويرد ذلك قوله في حديث ابن عباس وحذيفة: «ولم يقضوا ركعة» وكذا قوله في حديث ابن عباس الثاني: «وفي الخوف ركعة» وأما تأويلهم قوله: «لم يقضوا» بأن المراد منه لم يعيدوا الصلاة بعد الأمن- بعيد جدًا، كذا في [نيل الأوطار] نعم.
وقع في حديث ابن عمر المتفق عليه وقد قدمناه: ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة، وعند أبي داود من حديث ابن مسعود: ثم سلم، وقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا ذم ذهبوا، ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا، وبالتحقيق، كل ما روي هو من صورها الجائزة، ولما ذكر الإمام ابن القيم في «زاد المعاد» هديه صَلّى اللهُ عليّه وسلّم في أدائها، قال في آخر صورة: وتارة كان يصلي بإحدى الطائفتين ركعة فتذهب ولا تقضي شيئًا، وتجيء الأخرى فيصلي بهم ركعة ولا تقضي شيئًا، فيكون له صَلّى اللهُ عليّه وسلّم ركعتان، ولهم ركعة ركعة، وهذه الأوجه كلها يجوز الصلاة بها.